«أغانى الكريسماس».. رحلة تطهر ثلاثية الأبعاد عبر عوالم الروح

احتفلت الشركة الموزعة للأفلام ثلاثية الأبعاد فى مصر الأسبوع الماضى بإطلاق هذا النوع من العروض السينمائية، مشيرة إلى أن النظارة الخاصة بمشاهدة الفيلم مجانية كما جاء فى حملة الدعاية المصاحبة للفيلم، فى حقيقة الأمر سعر التذكرة بالفعل هو نفس السعر العادى، ولكن النظارة ليست مجاناً، بل تباع بعشرة جنيهات كاملة عند شراء التذكرة، ونحن لسنا ضد بيع النظارة ولو بمائة جنيه ولكن من العيب أن يتم خداع الجمهور بدعاية كاذبة، وتركه يتفاجأ بسعر النظارة «الورق» عند شباك التذاكر! وكان الأكثر احتراما أن يتجاهل الإعلان ذكر النظارة بدلا من هذا التفاخر المجانى بخدمة غير حقيقية.

ولنتحدث عن الفيلم.. «كريسماس كارول» واحدة من أشهر روايات الكاتب الإنجليزى «تشارلز ديكينز» بل هى إحدى أشهر تيمات السينما والأدب العالمى منذ القرن التاسع عشر، حيث إن فكرتها تقوم على زيارة أحد الأرواح فى ليلة الكريسماس لشخص معدوم المشاعر وبخيل العواطف..وتبلغه تلك الروح أنه سوف تتم زيارته من قبل ثلاثة أرواح أخرى بالتتابع لكى يكتشف مدى السوء والبخل واللا إنسانية الذى يعيش فيها ومن خلالها.. وعبر ليلة واحدة وفى رحلة روحية ونفسية من زمن إلى زمن..وداخل محطات حياتية مختلفة.. تنكأ كل الجروح.. وتطهر كل الدمامل الشعورية التى تسببت فيما وصل إليه.. ليستيقظ فى الصباح متطهراً من كل مشاكله النفسية.. مدركاً قيمة الحياة والحب والبشر الذين يحيطون به.. ومخلصاً لقيم أخرى غير المادية والأنانية والكآبة.

هذه الفكرة قدمتها السينما الأمريكية والعالمية قبل ذلك فى عشرات الأفلام.. ربما كان آخرها فيلما عرض الشهر الماضى بعنوان «أشباح الحبيبات السابقات» بطولة «جنيفر جارنر».. وفى كريسماس كارول الشخصية الرئيسية هى «إبينزر سكروج» الذى بتطهره يصنع فى نفوسنا ذلك التطهر الرائع الذى تحدثه الكوميديا السوداء، حيث تشير بسخرية إلى تفاهة التعلق بالحياة وحقارة المادية ولا جدواها.

رغم أن تلك القصة قدمت كفيلم كرتونى من قبل.. إلا أن تقديمها فى فيلم ثلاثى الأبعاد يعتبر اختياراً شديد الذكاء والفنية والخبرة من المخرج «روبرت زيمكس» صاحب سلسلة «العودة للمستقبل» فالرواية تحتوى على كل التفاصيل البصرية الشيقة والخيالية التى تجعل تجسيدها بواسطة تقنية الأبعاد الثلاثة أكثر سحرا دون سواها من الروايات.. فتقنية الأبعاد الثلاثة هى أن تشعر وأنت تشاهد الفيلم أن الشخصيات والتفاصيل فى أبعادها الحقيقة، كأنك تراها مجسدة أو مجسمة.. تماما كأنك تشاهدها على المسرح أو فى الواقع.. بل تشعر أن نتف الثلج المتطايرة أو أوراق الشجر المتساقطة سوف تطولك أو تسقط عليك وأنت جالس على مقعدك فى الصالة..

وهو ما يخلق حالة من التفاعلية السحرية الغريبة مع الفيلم المعروض. اختيار «زيميكس» لرحلة يقوم بها شخص عبر الزمان والمكان وفى ليلة احتفالية مثل ليلة الكريسماس يعكس فهما عميقاً لطبيعة تقنية الـ٣D ولفكرة تطابق الشكل مع المضمون.. فكثير من المشاهد تحتوى على حركات فانتازية خيالية مثل الطيران بين المدن أو التحليق فى السماوات العالية أو السقوط من ارتفاعات شاهقة.. وكلها مصممة بزوايا تصوير من وجهة نظر المتفرج مما يجعله يشعر بنفسه فى بعض الأحيان محلقاً مع الشخصية أو ساقطاً معها.. بل يتجاوز اختيار «زيميكس» لهذه الرواية مجرد اتساق الشكل التقنى والمضمون الدرامى إلى المضمون الفلسفى للعمل..

فعوالم الروح التى تسافر فيها شخصية «سكروج» هى عوالم ليست فقط ثلاثية الأبعاد بل لا نهائية الأبعاد.. حيث الزمن له طول وعرض وارتفاع.. وحيث الأشخاص الذين رحلوا تتجسد أو تتجسم أطيافهم مرة أخرى.. وحيث الأماكن تبعث ويعاد تشكيلها فى الفضاء الغيبى خارج قوانين الطبيعة التى تحكم الحياة الواقعية.

المصدر: المصرى اليوم