مكرم حنين ولوحات روحانية تبعث الأمل
يعد مكرم حنين أول من أسس لصفحات الفن التشكيلي بصحيفة "الأهرام" وصاحب أشهر الرسوم بروايات الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس . وقد شهدت قاعة بيكاسو مؤخرا معرضه "الروحانية بين الواقع والخيال" والذي افتتحه وزير الثقافة د. عماد أبوغازي، وحضره جمع من الشخصيات البارزة في المجتمع .
47 لوحة قدمها الفنان في معرضه الذي لعبت المرأة فيه دور البطولة، فظهرت من بيئات مختلفة كالصعيدية والنوبية والقاهرية، وكثيرا ما كانت ترمز للوطن مصر . صاغ حنين لوحاته بألوان زاهية مبهجة تحمل روحانية شديدة تعكس أهمية المرأة في الحياة.
في المعرض بورتريه لامرأة رسمها الفنان عام 1961 قبل تخرجه في كلية الفنون الجميلة بعام واحد، كما ضم المعرض أعمال للفنان من فترة الثمانينات والتسعينات، ولوحات أخرى حديثة أنتجها العام الماضي، إضافة للوحات عن الثورة. كما احتفى حنين بالطبيعة الصامتة في لوحات ثمار نضرة، وزهور لم نعد نشاهدها حاليا سوى في أعمال قليل من الفنانين، كما رسم الأحصنة وجمالياتها .
يقول الفنان لـ"محيط" : أظهر تفاؤلي بالحياة في لوحاتي دوما، وأنا أهوى إنارة اللوحة لتعطي نوعا من الفرح لأن الفنان لابد أن يسعد الآخرين .
وأستخدم ألوان الأبيض والأسود نادرا في بعض الاسكتشات واللوحات خفيفة .
المشاهد بحاجة للبهجة وللشعور بالمشاعر الإنسانية، والأعمال الحديثة المركبة و"المكركبة" تلقى بعد ذلك في سلة المهملات، وفقد فقدنا الروحانية عندما اتجهنا لأمريكا وأوروبا في فنونها المختلفة، والمؤسف أننا نوزع جوائز ضخمة ترتفع عن ال50 ألف جنيه على أعمال لا تساوي شيئا ، وهو شكل من الفساد بالوسط الفني، ولابد أن نحاربه بكل قوة بعد الثورة التي ستغير حياتنا .
البدايات
روى الفنان مكرم حنين
حياته الفنية منذ بدايته، ودخوله عالم الصحافة عام 1964 مع جريدة "الأهرام"، كان وقتها يرسم أعمالا حديثة تدهش القراء والكتاب أنفسهم فاعتبروه أحد المجددين في فن الرسم الصحفي.
وقد اكتشف حنين أن الجمهور العادي لا يشعر بالفنون الحديثة، ولهذا قرر أن يقدم له جرعة أكبر من الرسم الصحفي الذي يتفاعل معه الإنسان العادي، ودفعه لهذا الإتجاه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ، فحين التقاه لأول مرة في جريدة "الأهرام" وكان رئيس تحريرها، قال له أنه يهوى الفنون، بالقاريء يستمتع برواياته إذا ما اقترنت برسوم جيدة معبرة، وكذلك الحال بالنسبة للجريدة .
تمسك حنين بالروحانية في أعماله، وهي نتيجة فن تراكمي، مبني على
الفن الفرعوني ثم القبطي ثم الإسلامي، وهذه كلها حضارات ذات تصور روحاني جميل ، ولهذا نشعر بإشعاع ممتع بداخل المساجد من خلال زخارفها وكتابات القرآن ، وكذلك الحال بالنسبة لمن يزور الكنائس ويرى جماليات الأيقونات، وفي مقابر الفراعنة نرى الرسوم الرائعة الموحية ، فالتمثال الفرعوني كما يقول الفنان يحمل روحانية تجذبك للإندماج معه لفترة طويلة .
لهذا يستخدم الفنان شخوص في لوحاته تنتمي لبيئات مختلفة، وهو يحب الصعيد والنوبة ، ويحب خجل المرأة هناك .
لوحات الثورة
عن أعمال الثورة قال الفنان مكرم حنين : الثورة المصرية مبادئها لا تختلف عن أي ثورة في العالم فهي تريد الحرية والديمقراطية والعدل، ودفع نحو ألف شاب أرواحهم ثمنا لهذا النداء .
وقد أدمجت الجانب الرمزي في لوحاتي ، والرمزية موجودة في كل الفنون السابقة، وقد قمت بتصوير مصر كامرأة تفتح يدها وتطلق منها حمامة ترمز للحرية والعدالة، والثورة نفسها جعلتني أستخدم ألوان الأحمر المنطلق والأبيض رمز لنقاء الثورة، وعبرت من خلال الأبيض عن نقاء سريرة الشباب وروحه المملوءة بحب الوطن .
وسوف أستمر لفترة في التعبير عن الثورة، وهو دور الفنان في التعبير
عن آمال الشعب وفلسفته، ونريد التعبير عمن دافعوا بشهامة عن الوطن منذ حرب أكتوبر، بصرف النظر عن دينهم، نحن أمة واحدة في مواجهة أعداء الوطن . والفن التشكيلي أحد أقوى أشكال الثقافة التي تغير من الشعب وسلوكه مع الوقت ، وخاصة أنه ينطبع في الذاكرة البصرية .
النوبة والفتيات
سألنا الفنان عن سر اهتمامه بالنوبة في أعماله وقال : هناك أرى مشاعر الإنسانية والإحترام، وقد أنقذ الملك النوبي العظيم أحمس الأول مصر من الأعداء، ولكن هذه القطعة الغالية محرومة من حقوقها منذ بناء السد العالي 1974، وانتهت مزارع وبيوت كانت تملأ النوبة، ولابد للثورة أن
تعيد التفكير في ذلك.
ويرى حنين أن تقليد الفنون الغربية كمن يسقي في حارة السقايين، أي لا يجب أن نشارك بأعمال من الفنون الحديثة وليست الأصيلة في المعارض الدولية، وذلك لأنهم يتطلعون لمشاهدة خصوصيتنا .
أما عن المرأة فذكر مكرم حنين أنها كائن تجذب الفنان للتفاعل معه على اللوحة، وفي نساء النوبة مثلا نرى الألوان الزاهية للملابس، وتهتم بالعقد والأقراط التي تضفي عليها جمالا، وكذلك بالذهب، وحجابها ذو طابع جميل .
والمرأة بتصور حنين أيضا ترمز للوطن، وقد رسم لوحة عام 1961 لفتاة ، وعثر عليها بعد اختفاء ثلاثين عاما بين أوراق كرتونية، كما يعمل على ترميم لوحات له منذ تخرجه .
اهتم الفنانون العالميون بالمرأة في لوحاتهم ومنهم دافنشي ورافييل، ولهذا نجد لوحات السيدة العذراء أكثر من لوحات المتخيلة للمسيح نفسه، لأن لوحات المرأة تعطي مساحة للروحانيات أعلى وللجمال أيضا، وقد نفذ مايكل أنجلو لوحة عذراء الشفقة التي تصور السيدة مريم وهي تضع على ساقها جسد ولدها الميت وفق الإعتقاد المسيحي وحالتها الحزينة ، أما في مصر فلدينا الفنان يوسف فرنسيس الذي اشتهر برسومه عن المرأة ذات الشعر المتطاير والعينين الجميلتين والملامح الدقيقة.
يقول القنان عن الطبيعة الصامتة: نسيناها هذا الفن من مصر، رغم أن به جمال لوني وروحي فريد، فنجد الثمار النضرة من تفاح وورد بلدي وأوراق شجر ، وقديما كان الفنانون يرسمون الطبيعة الصامتة بالأسود والرمادي ، ولكنني أميل لإضفاء الفرح على المتلقي .
ومنظر الأحصنة يذكرني بشباب الثورة وانطلاقهم من ميدان الجيزة إلى التحرير مندفعين .
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!